عمر بن عبد العزيز
أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي المدني الأُموي ثم المصري .
أمه هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. ولد سنة ثلاث وستين من الهجرة.الخليفة الراشد والإمام العادل ، مجدد لهذه الأمة أمر دينها على رأس المائة الأولى ، حفظ الله تعالى به السنة المطهرة فأمر بتدوينها تدوينًا رسميًا على رأس المائة الأولى ، باعث الأمل في نفوس المسلمين ، التقي النقي ، الزاهد الورع ، شهيد العدل. أراه صورة من جده الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلا أن جده عمر وجد على الحق أعوانًا .
جمعنا الله تعالى معه في دار كرامته مع نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة وفضلاً منه إنه أرحم الراحمين .
روى عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب والسائب بن يزيد وسهل بن سعد واستوهب منه قدحًا شرب منه النبي صلى الله عليه وسلم.
أم بأنس بن مالك فقال : ما رأيت أحدًا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى .
حدث عنه أبو سلمة أحد شيوخه ، وأبو بكر بن حزم ورجاء بن حيوه وابن المنكدر والزهري وخلق كثير ، خرج له الأئمة الستة وغيرهم في مصنفاتهم .
منزلة الإمام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه :
عرفت الأمة الإسلامية كلها لعمر بن عبد العزيز مكانته ومنزلته العالية الرفيعة التي بلغها بعدله وورعه وزهده في الدنيا وخوفه من الله تعالى وخشيته منه تعالى ومراقبته له ، وهذا هو الذي جعله ينصف الناس من بعضهم ، ويرد المظالم إلى أهلها ، ويرفع الظلم عن المظلومين ، بل واستبعد الظالمين الذين حكموا فأفسدوا – وإن كلفه ذلك حياته – فأعاد للإمة المسلمة الأمل في الإصلاح والعودة إلى الله تعالى مهما طال زمن الظلم واستعلى الظالمون .
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ : صَلَّيْتُمْ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : يَا جَارِيَةُ هَلُمِّي لِي وَضُوءاً مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ أَشْبَهَ صَلاَةً بِرَسُولِ اللَّهِ مِنْ إِمَامِكُمْ هَذَا . قَالَ زَيْدٌ : وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَيُخَفِّفُ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ (أخرجه النسائي – كتاب الافتتاح – باب تخفيف القيام والقراءة 2/166 )
قال عنه الحافظ الذهبي : الإمام الحافظ ، العلامة المجتهد ، الزاهد ، العابد ، السيد أمير المؤمنين حقًا ، الخليفة الراشد ، أشج بني أمية .
عمر بن عبد العزيز المتواضع المعترف بفضل الله تعالى والإسلام:
قال ابن عيينة : قال رجل لعمر بن عبد العزيز : جزاك الله عن الإسلام خيرًا ، قال عمر : بل جزى الله الإسلام عني خيرًا.
وذلك لأن عمر بن عبد العزيز من ثمار الإسلام ، ولولا الإسلام ما كان عمر بن عبد العزيز .
خوف عمر بن عبد العزيز من الله تعالى :
على قدر معرفة المسلم لربه يكون خوفه من الله تعالى ومراقبته له ، وعلى قدر خوف المسلم من ربه ومراقبته له تكون استقامته على منهج الله .
ولقد كان عمر بن عبد العزيز خائفًا وجلاً من ربه تبارك وتعالى .
وإذا تعجب الناس من عدل عمر وزهده في الدنيا وتضحيته بنفسه ، فإن ذلك من ثمار خوفه من الله تعالى وثقته بوعد الله ووعيده .
عمر بن عبد العزيز الوزير الأمين :
عمر بن عبد العزيز الذاكر لربه المذكر بالله واليوم الآخر دائمًا :
ورع عمر بن عبد العزيز :
على قدر يقين المسلم بوعد الله تعالى يكون ورعه وتعففه عن الدنيا ، حتى أنه يترك كثيرًا من المباحات فضلاً عن الشبهات خوفًا من أن تعوقه عن هدفه ومقصده وما تعلقت به نفسه ، وكان عمر مثلاً أعلى للزهاد الذين ارادتهم الدنيا فاستعلوا عليها وأعرضوا عنها .
تقدير عمر بن عبد العزيز للمسئولية :
كان عمر بن عبد العزيز يعلم أنه مسئول بين يدي الله تعالى عن رعيته وأن الأمر جد لا هزل فيه، لذلك أعد للمسألة ألف حساب وحساب، فأسهر ليله في مصلحة الأمة، وبات باكيًا يسأل ربه التوفيق والهداية والرحمة .
زهد عمر بن عبد العزيز في الدنيا :
على قدر يقين المسلم بوعد الله تعالى لعباده الصالحين في الآخرة يكون زهده في الدنيا ورغبته في الجنة وما أعده الله لأوليائه وأهل طاعته ، لأن الدنيا لا تقارن بالآخرة .
وهذا هو عمر بن عبد العزيز أرادته الدنيا ولم يردها ، وأقبلت عليه وأدبر عنها ، وهكذا يفعل العقلاء الموقنون بوعد الله تعالى .
تعلق نفس عمر بن عبد العزيز بالجنة :
قال عمر بن عبد العزيز : إن نفسي تواقة وإنها لم تعط من الدنيا شيئًا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه ، فلما أعطيت ما لا أفضل منه في الدنيا تاقت إلى ما هو أفضل منه – يعني الجنة – .
زهد عمر بن عبد العزيز في ثناء الناس ومدحهم :
إن رجلاً كعمر بن عبد العزيز زهد في الدنيا ومتعها ، وانتصر على نفسه هذا الانتصار العظيم ، وحرم نفسه من كثير مما أباحه الله تعالى تورعًا ، هل تتعلق نفسه بالأمور التافهة التي لا وزن لها ، ولا يتعلق بها إلا أصحاب النفوس الضعيفة تكميلاً لنقصهم ؟ وماذا لو قال الناس في إنسان ما يعلم الله خلافه هل ينفعه ذلك عند الله تعالى ؟
موقف عمر بن عبد العزيز من أقاربه:
إن المسلم الذي انتصر على نفسه فزهد في الدنيا وحرم نفسه كثيرًا من طيباتها رغبة في رضا الله تعالى والجنة ، وخوفًا من أن يؤدي به المباح إلى الوقوع في الشبهات فيقطعه عن هدفه وغايته ، هل يبيع آخرته بدنيا غيره ؟ فالشقي من باع آخرته بدنياه ، وأشقى منه من باع آخرته بدنيا غيره ، نعوذ بالله تعالى من الخذلان .
فلقد وقف عمر بن عبد العزيز يوم أن كان وزيرًا لسليمان بن عبد الملك وفوضه في أن يشير عليه بمصلحة العامة ، وفعلاً بادر بخلع عمال الحَجّاج بن يوسف إلى غير ذلك من وجوه الإصلاح التي تمت في عهد سليمان رحمه الله، فماذا ينتظر منه بعد أن صار الأمر إليه بإذن الله ؟ وهل يبيع دينه بدنيا أقاربه ؟ فهذا أمر لا يتوقع ممن هو أقل من عمر بن عبد العزيز الخائف من ربه تعالى الذي نصره الله على نفسه .
موقف عمر بن عبد العزيز من أبنائه:
وقف عمر بن عبد العزيز من أبنائه موقف المنصف ، فما أعطاهم حقًا لغيرهم ، وما منعهم حقًا لهم ، وإنما نظر إليهم نظرته لعامة المسلمين ، وما ترك لهم دينارًا ولا درهمًا ، وهذا أمر لا يستغرب من الخائف الوجل عمر بن عبد العزيز وهو قادم على مولاه أرحم الراحمين .
قيل لعمر بن عبد العزيز في مرضه الذي مات فيه : تركت أولادك فقراء لا دينار لهم ولا درهم ، فقال : لم أمنعهم حقًا لهم ولم أعطهم حقًا لغيرهم ، وإنما ولدي أحد رجلين : إما مطيع لله فالله يكفيه وهو يتولى الصالحين ، وإما عاص لله فلا أبالي علاما وقع.
من أقوال عمر بن عبد العزيز:
إن للاستقامة على منهج الله تعالى أثر في سلوك المسلم وتصرفاته ونطقه، فالله تعالى يتولى الصالحين برعايته ، ويوفقهم بعنايته ، ويسدد خطاهم، ويقذف الحكمة على ألسنتهم .
قال تعالى : ( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) (لأعراف:196)
وقال تعالى : ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) (البقرة:269)
وأي صالح هذا الذي نتحدث عنه ، إنه عمر بن عبد العزيز.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل يقول له : إنك إن استشعرت ذكر الموت في ليلك ونهارك بُغِض إليك كل فان ، وحُبب إليك كل باق ، والسلام .
قال الأوزاعي : كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رسالة لم يحفظها غيري وغير مكحول : أما بعد ، فإنه مَن أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير ، ومَن عدّ كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه ، والسلام .
كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله : أما بعد ، فإن دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم فاذكر قدرة الله تعالى عليك ، ونفاد ما تأتي وبقاء ما يأتون إليك .
وفاة عمر بن عبد العزيز:
وبعد حياة حافة بالعطاء عدل غاب عن أعين الناس وأسماعهم حتى ظنوا أن لا عودة له أعاده عمر بن عبد العزيز بتوفيق الله تعالى .
قضى على ظلم الولاة من بني أمية الذي لم يسلم منه حتى أصحاب رسول الله ، وأولي الفضل ، وأصحاب المآثر الحميدة ، والأيادي البيضاء على الأمة ، حتى ظن الناس أنه لا مفر ولا خلاص من هذا الظلم .
فإذا بالعبد الزاهد التقي النقي الورع يرفع بتوفيق الله تعالى عن الناس هذا الظلم، ويوقف كل إنسان عند حده، وما ذلك إلا لأنه أعطى من نفسه القدوة العملية الصالحة .
ولكن هل كان ينتظر من عبدة الدينار والدرهم أصحاب النفوس الخبيثة والقلوب المريضة أن يصبروا على عدل عمر الذي فوت عليهم ما ليس لهم بحق أكثر من ذلك ؟ لقد امتدت الأيدي الآثمة التي لا يعشق أصحابها إلا الظلم ولا يعبئون إلا بمصالحهم الخاصة بغض النظر عن كونهم وصلوا إلى ما يريدون من طرق مشروعة أو غير مشروعة فحرمت الأمة من عدل افتقدته لأزمنة طويلة ، فدبرت ما دبرت للخليفة الراشد والإمام العادل ليلقى عمر بن عبد العزيز ربه شهيدًا إن شاء الله تعالى .
قال المغيرة بن حكيم : قلت لفاطمة بنت عبد الملك : كنت أسمع عمر بن عبد العزيز في مرضه يقول : اللهم أخف عليهم أمري ولو ساعة ، قالت : قلت له : ألا أخرج عنك فإنك لم تنم ، فخرجت ، فجعلت أسمعه يقول : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (القصص:83)
مرارًا ، ثم أطرق فلبثت طويلاً لا يُسمع له حس ، فقلت لوصيف : ويحك ، انظر ، فلما دخل ، صاح فدخلت فوجدته ميتًا قد أقبل بوجهه على القبلة ووضع إحدى يديه على فيه والأخرى على عينيه ، سمعها جرير بن حازم منه .
توفي عمر بن عبد العزيز يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة إحدى ومائة بدير سمعان من أرض حمص ، وصلى عليه مسلمة بن عبد الملك ، وعاش تسعًا وثلاثين سنة ونصف